لبنان مركزاً للحوار فهـــــل مــــــن إمكانية لفرض أي تطبيع مـــــع اسرائيل؟ قليموس لـ “أخبار اليــوم”: لسنا ملزمين بذلك ولن نسرق دور الأمم المتحدة

الى جانب الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية التي زخرت بها زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون الى العاصمة الفرنسية باريس، برز ملف آخر لا يقلّ أهمية عن الملفات التقليدية. فالرئيس عون طلب مساعدة نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون لجعل لبنان مركزاً لحوار الحضارات والأديان تابعاً للأمم المتحدة.

الطرح قد لا يكون جديداً 100 في المئة إذ طالما حُكيَ عن قدرة لبنان في لعب دور صلة الوصل بين الشرق والغرب. فضلاً عن جعل العاصمة اللبنانية مركزاً للحوار الديموقراطي بين دول المنطقة والعالم، المتصارعة سياسياً وعسكرياً.

لكن للأمر، إن تحقّق، محاذير كثيرة ومهمة، ولا تقلّ شأناً في نتائجها وانعكاساتها عن ما قد يسبّبه مثلاً زلزال طلب تسليح الجيش اللبناني بطائرات حربية نوعية، أو طرح جعل لبنان بلداً منزوع السلاح مع حظر الإعتداء عليه من أية دولة أو جهة.

وأبرز المحاذير التي يطرحها طرح جعل بيروت مدينة للسلام العالمي ولبنان مركزاً لحوار الحضارات والأديان هي إمكانية أن تضغط الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مستقبلاً باتجاه توقيع إتفاقية سلام بين لبنان واسرائيل.

فقد تأتي مثلاً الأمم المتحدة لتقول للبنانيين كيف تنادون بالسلام وحوار الحضارات والأديان والدول المتخاصمة فيما أنتم تتمسّكون في الوقت نفسه بالعداء مع دولة معترف بها من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وهي تقع على حدودكم الجنوبية؟ وما هو الزلزال الذي سيسبّبه هذا الطلب في ظل الوضع الراهن في لبنان؟ ماذا لو أتت وفوداً غير مرغوب بها من قِبَل “حزب الله” مثلاً، للمشاركة في مؤتمر معيّن؟.

التهافت العربي (الخليجي تحديداً) اخيرا للتخفيف من قيمة الصراع الإسرائيلي – العربي واضح، وهو يجنح على ما يبدو باتجاه جعل التطبيع مع دولة اسرائيل غير محرّم. وحجّة العرب بحسب وثائق نشرتها صحف أميركية عدة، واضحة، وهي أن التطبيع مع اسرائيل، (الذي قد يكون ممزوجاً بكثير من التقية رغم الفارق الأساسي في التقية بين السنّة والشيعة) سيؤدي الى جعل الفلسطينيين يحصلون على مكاسب عدّة، أبرزها: تخفيف القيود الاقتصادية عنهم، تمديد ساعات العمل على معبر “الكرامة” الحدودي مع الأردن، قيام اسرائيل بخطوات مهمة لدفع عملية السلام مع الفلسطينيين مثل تجميد البناء خارج الكتل الاستيطانية، والسماح بحرية التجارة في قطاع غزة…

الموقف اللبناني كان ولا يزال يربط أي سلام مع الدولة العبرية بإطار مبادرة بيروت العربية عام 2002، وبأن لبنان سيكون آخر بلد يوقّع سلاماً معها بعد الدول العربية كلها. صحيح أن أجواء عام 2002 هي غير أجواء اليوم من حيث التمدّد الايراني في المنطقة، وتصاعد قوة “حزب الله” وعدم اعترافه بأي إجماع عربي يتعارض مع الأجندة الايرانية، الأحداث في سوريا… إلا أن الموقف الرسمي اللبناني لا يزال على حاله في اعتباره اسرائيل بلداً عدواً ومحتلاً لأراضٍ عربية يجب عليه إعادتها الى أصحابها، بالإضافة الى وقف أنشطته العدائية على لبنان وعلى أشقائه العرب…

وبعيداً من السياسة، ما هي القيمة المضافة لطلب الرئيس عون مساعدة ماكرون في جعل لبنان مركزاً لحوار الحضارات والأديان؟.

قيمة مضافة

انطلاقا مما تقدم رأى رئيس الرابطة المارونية  انطوان قليموس أن قيمة مشروع جعل لبنان بلداً لحوار الحضارات والأديان تكمن في أنه يجسّد دور وقيمة لبنان وهو يترجم فعلياً طريقة تكوين لبنان التعدّدي، لبنان التفاعل والحوار.

وقال في حديث الى وكالة “أخبار اليوم”: هذا الطرح يجعلنا نوصّف لبنان بالشكل الذي بُني عليه ونضعه على المجهر أمام العالم. وعندما يصبح مركزاً للحوار فهذا يعني أننا نقول ان هذا البلد المكوّن من حضارات وثقافات عدّة مؤهّل لأن يقوم بهذا الدور.

وأضاف: القيمة المضافة هي أن ذلك يعطيه نوعاً من الحياد عن الصراعات. فعندما نحتضن الحوار فهذا يعني أننا لا نريد الإلتزام بأي فريق او محور، وبالتالي نعطي لبنان حيّزاً من السيادة، وهذا ما نحن نطلبه في إطار وجوب تحييد لبنان عن الصراعات والمحاور الإقليمية والدولية فيكون على غرار سويسرا مثلاً، فتنتعش فيه الحياة الاقتصادية وينعم اللبنانيون بالأمن ولا يعودوا يفتشون على موطئ قدم آخر لهم طلباً للأمن.

السماك

وفي الإطار عينه، رأى أمني عام اللجنة الوطنية المسيحية – الإسلامية للحوار، محمد السماك أن هذا المشروع يجسّد شخصية لبنان ودوره ووظيفته وكيانه، وبالتالي، في الوقت الذي تمرّ فيه المنطقة العربية بتفجّر طائفي ومذهبي وعنصري، فإن لبنان يقدّم نموذجاً عكسياً. لكن هذا النموذج يحتاج الى أن يتجسّد في مؤسسة تقوم بمدّ الجسور بين مختلف الجماعات الدينية والمذهبية والعنصرية. ومشروع جعل لبنان بلداً للحوار الذي طُرح أمام الأمم المتحدة منذ أيام الرئيس السابق ميشال سليمان وجدّد طرحه الرئيس عون هو استمرار للرسالة التي رفعها البابا يوحنا بولس الثاني باعتبار لبنان رسالة، وهذه هي رسالة لبنان.

وتابع السماك: المشروع مهمّ جداً ليس فقط بالنسبة الى لبنان بل للمنطقة العربية بشكل خاص التي تبحث عن صيغة للململة أوضاعها بعد الحروب والإنقسامات التي عصفت بها. فلبنان يقوم على هذا النموذج، ورغم أن الوضع الداخلي فيه ليس نموذجياً بحدّ ذاته ولكن الرسالة هي رسالة نموذجية وتحمي لبنان، فيصبح بلدنا وهوية الحوار مترادفان ومتكاملان.

وقال: المشروع يخدم لبنان ويعزّز وحدته الداخلية. وعندها سيخجل السياسيون من خلافاتهم باعتبار أننا نحمل رسالة سلام الى العالم فيما وضعنا الداخلي “مهزوز” وهذا لن يكون طبيعياً. وبالتالي، سيستفيد لبنان من إنهاء سجالاتهم وخلافاتهم، كما ستستفيد المنطقة التي تبحث عن نموذج لها، وسيستفيد العالم من النموذج اللبناني بعد انتشار الشعبوية في أوروبا وغيرها.

ضغط باتجاه سلام مع…؟!

وعن احتمال أن يكون الطرح عنصر نقمة للبنان مستقبلاً، إذا سعت الأمم المتحدة الى فرض إتفاقية سلام بين لبنان واسرائيل، لكونه بلداً للسلام والحوار ولا يجوز إبقاؤه على عداء مع أية دولة، علّق قليموس، فقال: الصراعات تنتج إجمالاً عن اختلاف في العرق أو الدين أو العادات والتقاليد، بينما الصراع العربي – الإسرائيل له علاقة باحتلال أرض.

نحن لا نريد أن نسرق دور الأمم المتحدة أو مجلس الأمن ولا محكمة العدل الدولية في لاهاي. نحن نسعى فقط لأن نكون مركز حوار بين الحضارات والثقافات والأديان المتباعدة والتي تتسبب بحروب، وحوارنا سيكون ضمن هذا الإطار والمنطق، ولا نسعى الى حوار لحل مشكلة العرب واسرائيل ولا أن نحلّ مكان الأمم المتحدة. وبالتالي، لن يكون المشروع ملزماً للبنان بتوقيع أية اتفاقية للسلام مع اسرائيل.

ومن جهته، أكد السماك أن إمكانية فرض أي سلام مع اسرائيل دولياً هو أمر مستبعد جداً جداً.

وأضاف: السبب هو أن اسرائيل تتحوّل من دولة صهيونية الى دولة يهودية، وعندما تصبح دولة دينية يهودية فهذا يعني انها تُلغي المسيحية والإسلام الموجود في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولذلك فإنها ستكون خارج الحسابات اللبنانية بالحوار والسلام لأن تكوينها سلبي ورافض للعيش المشترك والتعدّد. وبالتالي، عندما تتحول اسرائيل دولة دينية، وهي تحوّلت بالفعل حالياً، يصبح لبنان عندها نموذجاً للعيش المشترك بين أديان وثقافات متعدّدة، والمقارنة بينه وبين اسرائيل ستكون لصالحه على المستوى الدولي كله.

المصدر: وكالة أخبار اليوم – إعداد أنطوان الفتى – 28/9/2017