ندوة للرابطة المارونية عن الشراكة الوطنية وممثلو الاحزاب وقعوا على وثيقة تتضمن التمسك بالطائف وإعادة تكوين السلطة على أساس الشراكة

نظمت اللجنة السياسية في الرابطة المارونية ندوة بعنوان “الشراكة الوطنية سبيل الى تحصين الدولة ونبذ التطرف”، في فندق متروبوليتان في سن الفيل، شارك فيها وزير الثقافة ريمون عريجي ممثلا تيار “المردة”، النائب انطوان زهرا ممثلا حزب “القوات اللبنانية”، النائب ابراهيم كنعان ممثلا “التيار الوطني الحر”، النائب جمال الجراح ممثلا تيار “المستقبل”، النائب ايلي ماروني ممثلا حزب “الكتائب”، محمود قماطي ممثلا “حزب الله”، المستشار علي حمدان ممثلا حركة “أمل” ورامي الريس ممثلا الحزب التقدمي الاشتراكي.

حضر الندوة ممثل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي المطران سمير مظلوم، ممثل وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل سيزار ابو خليل، ممثل وزير العمل سجعان قزي منير الديك، النائبان نعمة الله ابي نصر وناجي غاريوس، الوزراء السابقون ادمون رزق، زياد بارود، جو سركيس، خليل الهراوي وفريد هيكل الخازن، النائب السابق بيار دكاش، المدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور طوني شقير، نقيب المحامين جورج جريج، نقيب المحررين الياس عون، النقيب السابق للمحامين انطوان اقليموس، رئيس الكنيسة القبطية في لبنان الاب رويس الاورشليمي، وفد من اتحاد الرابطات المسيحية ضم: نقولا غلام، البير ملكي، فارس داغر، جان سلمانيان وجورج سمعان الحناوي، رئيس الرابطة المارونية النقيب سمير ابي اللمع واعضاء المجلس التنفيذي، الرئيس السابق للرابطة جوزف طربيه، رئيس الرابطة السريانية حبيب افرام وشخصيات سياسية ونقابية واعلامية.

بدأ الاحتفال بالنشيد الوطني ونشيد الرابطة وبعدما عرف عضو المجلس التنفيذي انطوان قسطنطين بالندوة، ألقى مقرر اللجنة السياسية وليد خوري كلمة أشار فيها الى “ان طاولة الحوار التي تلتئم اليوم لا تدعي إحداث تغيير في واقع الحال، لكنها وبفضل تجاوب الاحزاب الكريمة تشكل حلقة من حلقات الحوار اللبناني – اللبناني وتفاخر بانها تتجاوز في هذا الشأن الإطار المذهبي الطائفي لتعيد الى صيغة التنوع اللبناني مقامها الاول”.

وأكد “اننا في لبنان لا نريد ولا يجب ان نسمح بان تفرض علينا مصالح الآخرين او لعبة الامم تغيير حدودنا، لكننا مدعوون في المقابل الى تغيير ما بأنفسنا واعتبار بان الحكم العادل والشراكة الصحيحة هما أساس المناعة الوطنية، وحدتنا تنبع من داخلنا ولا تكون فرضا او واجبا، انها الصخرة التي نبني عليها دولة لبنان لكي لا تقوى عليها أبواب الجحيم”.

ابي اللمع

ثم ألقى ابي اللمع كلمة الافتتاح، فرأى انه “من غير الجائز ولا المقبول عند اللبنانيين جميعا انتظار فرقاء آخرين بل غرباء عنهم رسم الآفاق السياسية والديمغرافية للبنان، لفترات آتية من السنين، ومن غير الجائز تفويض كائن من كان ان ينوب عنا في تقرير مصيرنا، ومن غير الممكن الانتظار حتى يرتسم أمامنا شرق أوسط جديد على حساب وطن اسمه لبنان في غياب ابنائه الذين لا تعوزهم روح المبادرة اذا شاؤوا وصمموا الحفاظ عليه واحدا موحدا قويا معافى” .

وقال: “نحن اليوم، ومن دون المس بروح الميثاق والصيغة والطائف، لا بد للمتنورين اللبنانيين من احزاب وطوائف وقوى مجتمع مدني، ان يستنبطوا ملحقا تاريخيا يعطي لصيغة العيش المشترك بعدا مدنيا يقوم على الولاء للوطن وحده، ولصيغة الوحدة الوطنية، مساحة لا مركزية موسعة، تنمي المناطق جميعا بالتساوي، ولصيغة التعددية الحضارية أفقا توافقيا. لقد أنهكت السياسة الطوائف، بقدر ما أنهكت الطائفية السياسة، وسجنت المركزية الوحدة، وأساء العدد الى التعددية”.

وكرر ابي اللمع دعوة الرابطة المارونية الملحة الى “الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، اليوم قبل الغد”، وثمن “المواقف الوطنية الشجاعة الصادرة عن المجمع البطريركي العام والقمم الروحية المسيحية الاسلامية، وحراك المجتمع المدني، الداعية جميعها الى تنفيذ هذا الاستحقاق عبر حوار بلا شروط مسبقة بين جميع الافرقاء السياسيين، وهو وحده كفيل بفتح نافذة في جدار وطن مهدد بالفراغ من الداخل والنيل من الخارج. وانه لا تعاش الحياة الوطنية في بلد من دون شركة العيش المقرونة بالمحبة” .

وتابع: “من أجل كل ذلك ينبغي تعزيز روح الإنتماء الى الدولة قبل الإنتماء الى اي طائفة او حزب او جماعة، بل جعل الارتباط بهذه المكونات سبيلا للانتماء الى الدولة”.

وشدد على “ان لبنان يحتاج الى إعادة تحديد مسار كل طائفة بعلاقتها مع الدولة ومع الطوائف الاخرى، والعمل على بناء دولة قوية تفرض القانون وتحمي المواطن وتحرر الارض، وتحافظ على المكونات المتنوعة التي تؤلف النسيج الوطني اللبناني”.

وقال ابي اللمع: “يحتاج لبنان اليوم الى رجالات دولة ليعملوا معا في خدمة الدولة والخير العام وخير جميع المواطنين. وان أول ما يطلب من الطوائف والدولة في آن القبول بحيادية الدولة تجاهها واحترامها، وعدم السعي لسيطرة إحداها عليها، ومن الدولة القبول بخصوصيات الطوائف وبمجالها الحيوي التاريخي والجغرافي والثقافي، والإستفادة من القيمة المضافة التي تشكلها كل جماعة”.

وختم: “بهذه يخرج لبنان من هوية “الساحة ” الى هوية “الدور” في العالم العربي وآفاق الانتشار” فيتحرر من عقد ثنائية النور والظلمة، الخير والشر، الحق والباطل، المحروم والمتسلط، المركز والاطراف، التحدي اليوم ان ينطلق الانسان اللبناني من العيش المشترك لكي يبني مع الايام انسانيته الأرقى. فلبنان يجب ان يبقى في محيطه العربي رأس الثقافة الوسط بين السماء والارض، بين الشرق والغرب، بين الشمال والجنوب، بين الماضي والآتي، بين التاريخ والجغرافيا، بين الصحراء والبحر”.

الندوة

بعد ذلك بدأت الندوة التي أدارها المستشار الاعلامي السابق لرئاسة الجمهورية رفيق شلالا الذي رأى ان “كل الاحداث والحروب المؤلمة التي تجري من حولنا، وما يترافق معها من تصاعد في التحجر والارهاب الفكري والامني والتطرف الديني وأجواء الشلل والتشنج، التي تعصف في الداخل اللبناني والمحاولات المحمودة التي تلتقي حولها كافة الاطراف اللبنانية للحوار ولجم وتيرة الاحتقان، تدفعنا الى التصويب على أهمية العودة الى الاسس، التي نشأ عليها وطننا وتوافق عليها اللبنانيون لتثبيتها وإصلاح الخلل في ممارستها وتحصين حقوق كافة شرائح المجتمع وشعورهم بالإنتماء الى وطن ودولة وأرض وحضارة”.

وشدد على ان “الاعتدال ونبذ التطرف واحترام حرية المعتقد والفكر والضمير هي اليوم أساس تطور المجتمعات والقيم الانسانية التي تقوم عليها، ولطالما كان لبنان رائدا في تبني هذه المبادىء وعيشها”.

وقال: “فالاحرى بنا اليوم ألا نفرط بما جعل من وطننا ارض الحضارة والإنفتاح والإشعاع وبين أيديكم ايها السادة الكرام، ومن خلال أحزابكم، أمانة شعب يستحق الأفضل، وكلي ثقة بانكم تدركون حجم هذه الأمانة ومسؤوليتكم في صونها”.

عريجي

ثم ألقى الوزير عريجي كلمة، رأى فيها ان “الزلزال الخطير الذي ضرب المنطقة ولا يزال، وهجر الاقليات المسيحية الى دول الجوار والعالم – المتغاضية والمتعاملة بخبث وأنانية مع هذه المأساة – جعل من الوجود المسيحي في لبنان آخر المعاقل المسيحية الحقيقية في هذا الشرق، حيث لا يكتفي المسيحيون بالتواجد بل يؤدون دورهم الوطني كاملا، بالتضامن التام مع إرادة شركائهم، حفاظا على صيغة لبنان المثال المحتذى لعالم تحول الى بركان تؤججه حمم الغرائز والتطرف الديني”.

وشدد على ان “هذا الواقع يرتب على القوى السياسية المسيحية اللبنانية مسؤولية تاريخية، توجب عليها مقاربات مختلفة عما شهدناها في المراحل السابقة، تهدف الى تحصين الدولة وتفعيل الوجود المسيحي في لبنان ضمن النسيج الوطني. وان هذا التحصين يتطلب مراجعة نقدية شجاعة وموضوعية لبعض القوانين والممارسات السياسية ورؤية مفتوحة الآفاق حول إسهام مكونات المجتمع اللبناني بشكل عام والمسيحيين بشكل خاص في تدعيم وتطور الدولة الحاضنة لمواطنيها المتساوين” .

وعرض عريجي “لرؤية تيار المردة حيال الطروحات الوطنية، والتي تتلخص اولا بضرورة وضع رؤية استراتيجية بين القوى المسيحية لتحصين وجودهم في لبنان وتفعيل دورهم فيه، تستند بشكل اساسي على تفاهم ثابت وعميق مع الشريك الآخر يؤكد على الديمومة الميثاقية لتكوين السلطة في لبنان، على ان تبقى لكافة القوى والاحزاب المسيحية حرية العمل السياسي، حفاظا على غنى التنوع المسيحي وتفاديا للوقوع في تجربة الحزب الواحد.
ثانيا: التمسك بدستور الطائف النابع من قناعات وطنية حول العروبة ونهائية الكيان والشراكة الكاملة في الحقوق والواجبات وفي اتخاذ القرارات المصيرية.
ثالثا: ضرورة استحداث قانون انتخابات عصري يوصل الى تمثيل ديموقراطي عادل تتشارك فيه شرائح المكونات اللبنانية لتوليد سلطة قادرة على التشريع وتنفيذ القوانين تبعا لمتطلبات المعاصرة وحاجات شعب لبنان.
رابعا: الدعوة الى إقرار اللامركزية الادارية التي أضحت مع الطائف موضع إجماع وطني.
خامسا: تحفيز الشباب المسيحي لدخول المؤسسات العامة وإعادة الإيمان لديها بالإنتماء الى الدولة الراعية”.

وتطرق عريجي الى موضوع الفراغ الرئاسي، وقال: “على اللبنانيين وعلى المسيحيين بشكل خاص واجب تضافر جهودهم لتأمين انتخاب رئيس ذي شخصية قيادية يتمتع بوجود سياسي وتمثيل شعبي بالحد المقبول، يخولانه تأدية الدور المطلوب عملا بالدستور وبروح الميثاق”.

زهرا

وأكد النائب زهرا ان “اتفاق الطائف والاعتراف بنهائية الكيان هما عنوانان أساسيان لحياتنا الوطنية، بعدما اختبرت كل الاطراف اللبنانية عقم أي طرف خارج إطار الوحدة الوطنية والشراكة الوطنية واستحالة ممارسة أي غلبة لفريق على الآخرين، لانه سينتهي بكارثة وطنية وربما بحروب أهلية متجددة” .

ورأى انه “لا يمكن ان تستقيم الامور إلا بدءا برأس الدولة بعدم القبول بالشغور في رئاسة الجمهورية، فلا يمكن لهذا الجسد أي الدولة اللبنانية والمؤسسات الدستورية ان يعيش من دون رأس”.

وأعلن زهرا الموقف الرسمي لحزب القوات اللبنانية من الدولة والنظام السياسي من خلال الشرعة السياسية التي أطلقها الحزب لتكون المرشدة في العمل السياسي ومما جاء فيها:

في الدولة:
– يعتبر حزب القوات اللبنانية ان الدولة هي الكيان الشرعي الوحيد المؤتمن على السيادة فوق كامل الاراضي اللبنانية، والمسؤول عن حماية المواطنين كافة، والمقيمين على أراضيها، وصون حريتهم وكرامتهم من خلال حقها الحصري في استعمال السلاح والقوة الرادعة لفرض القانون.

– يعمل حزب القوات اللبنانية على ان تجهد الدولة لقيام لبنان الحرية وسلطة القانون والمساواة في الحقوق.

في النظام السياسي:
– ينبغي التمييز بين الدولة كمفهوم كياني ميثاقي ودستوري وقانوني وكشخصية معنوية من جهة، وبين النظام السياسي كصيغة حكم تتوافق عليها مكونات المجتمع من جهة اخرى.

– يتميز النظام اللبناني بخصوصية أساسها الترابط العضوي والوظيفي بين مفهوم الدولة وكيانيتها من جهة، وبين صيغة محددة لتوزيع السلطة فيها بين المكونات المؤسسة لها من جهة اخرى.

– ان النظام السياسي ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لإدارة الدولة على قاعدة السلم الاجتماعي. وبالتالي، فان التوزيع الطوائفي للسلطة كما ورد في وثيقة الوفاق الوطني هو القاعدة البنيوية للنظام.

– ان المشاركة المتوازنة في السلطة السياسية في لبنان مبنية على المناصفة الفعلية على مستوى الحكم والمؤسسات الدستورية.

– ان تطبيق النظام السياسي بشكل سليم يفترض ممارسة سياسية صحيحة، تدعو القوات اللبنانية في هذا المجال المجتمع اللبناني كله ليتحول الى قوة تغيير من خلال رفض الممارسات السياسية التقليدية، ورفض الخضوع للاقطاع السياسي الذي يسخر الوطن لمصالح شخصية او عائلية او قبلية ضيقة” .

وختم زهرا بتوجيه نداء الى كل اللبنانيين “ان نلتزم سلطة الدولة ومرجعيتها وان نستمر ونواظب على محاولة تطبيق اتفاق الطائف كاملا وعدم التفكير في اي تعديل له قبل استكمال تطبيقه، لان لا ضمان لاستمرار وحدة لبنان وحرية مكوناته والشراكة الفعلية في ظل اي مغامرة غير محسوبة النتائج” .

قماطي

وتطرق قماطي في كلمته الى “مفهوم الوطن وحمايته من خلال الشعب والجيش والمقاومة والى الدولة والنظام السياسي والمشاركة”، ناقلا بذلك وجهة نظر حزب الله في هذا الإطار. فرأى ان “من أهم الشروط لقيام وطن واستمراره ان تكون له دولة عادلة وقادرة وقوية ونظام سياسي يمثل بحق إرادة الشعب وتطلعاته الى العدالة والحرية والامن والاستقرار والرفاه والكرامة، وهذا ما ينشده كل اللبنانيين ويعملون من أجل تحقيقه ونحن منهم وان تتحقق المشاركة الوطنية الواسعة من جميع شرائحه السياسية والدينية والاجتماعية”.

وأكد قماطي ان “الدولة التي نتطلع الى المشاركة في بنائها مع بقية اللبنانيين هي:
الدولة التي تصون الحريات العامة، وتوفر كل الأجواء الملائمة لممارستها، الدولة التي تحرص على الوحدة الوطنية والتماسك الوطني، الدولة القادرة التي تحمي الارض والشعب والسيادة والاستقلال، ويكون لها جيش وطني قوي ومقتدر وجاهز، ومؤسسات أمنية فاعلة وحريصة على أمن الناس ومصالحهم، الدولة القائمة في بنيتها على قاعدة المؤسسات الحديثة والفاعلة والمتعاونة، والتي تستند الى صلاحيات ووظائف ومهام واضحة ومحددة، الدولة التي تلتزم تطبيق القوانين على الجميع، الدولة التي يتوافر فيها تمثيل نيابي سليم وصحيح لا يمكن تحقيقة إلا من خلال قانون انتخابات عصري، الدولة التي تعتمد على أصحاب الكفاءات العلمية والمهارات العملية وأهل النزاهة، الدولة التي تتوافر فيها سلطة قضائية عليا ومستقلة، الدولة التي تقيم اقتصادها بشكل رئيس على قاعدة القطاعات المنتجة، وتعمل على استنهاضها وتعزيزها، الدولة التي تعتمد وتطبق مبدأ الإنماء المتوازن بين المناطق، الدولة التي تهتم بمواطنيها، وتعمل على توفير الخدمات المناسبة لهم، الدولة التي تعتني بالأجيال الشابة والصاعدة، الدولة التي تعمل على تعزيز دور المرأة وتطوير مشاركتها في المجالات كافة، الدولة التي تولي الوضع التربوي الأهمية المناسبة، الدولة التي تعتمد نظاما إداريا لا مركزيا، الدولة التي تجهد لوقف الهجرة من الوطن، الدولة التي ترعى مواطنيها المغتربين”.

اضاف: “ان قيام دولة بهذه المواصفات والشروط هدف لنا ولكل لبناني صادق ومخلص، ونحن في حزب الله سنبذل كل جهودنا، وبالتعاون مع القوى السياسية والشعبية المختلفة التي تشاركنا هذه الرؤية من اجل تحقيق هذا الهدف الوطني النبيل”.

وختم: “ان الطريق الوحيد للوصول الى إنجاز هذه الدولة الحضارية هو الحوار والتوافق اذ لا يمكن لطرف ان يفرض رأيه على الآخر او ان يلزمه بتعديل الدستور فالمجتمع اللبناني هو مجتمع تعددي، ولبنان نموذج ورسالة والحفاظ عليه واجب وطني انساني وحضاري، والمشاركة السياسية في ظل النظام الحالي هي الطريق السليم للحفاظ على الوطن رغم الملاحظات عند المشاركين على كثير من الامور، ولا شك ولا ريب ان هذه المشاركة تنفس الإحتقان وتزيد التفاعل وتقرب وجهات النظر وتزيد من اللحمة الوطنية وتنبذ التطرف وتؤسس للتوافق المنشود. ان لبنان أمانة في أعناقنا جميعا وكلما حرصنا عليه وحميناه نحمي الخصوصية معه، وكلما شاركنا فيه بفعالية اقتربنا من بعضنا البعض ومشينا خطوات الى الأمام نحو وطن حضاري متطور، لبنان نعمة فلا تحولوه الى نقمة”.

الريس

ورأى الريس “اننا بحاجة لإعادة بناء الدولة من خلال إعادة تعريف علاقة القوى السياسية بالدولة والمجتمع، ومن خلال إعادة الانتظام لعلاقة المواطن مع الدولة بعيدا عن واسطة الطائفية او المذهب، وذلك هو المدخل الحتمي لتطوير الحياة السياسية، من خلال إلغاء الطائفة السياسية”.

واعتبر ان “التطرف لا يولد من الفراغ بل له أسبابه وعناصر تراكمه، وما نشهده اليوم في سوريا كمثال حي ليس سوى الدليل القاطع كيف ان العنف ولد ويولد التطرف، والعنف يولد العنف، ولبنان خرج من حرب اهلية أكدتها هذه العلاقة السيبية بين العنف ووليده اي التطرف”.

وحول بناء الدولة، قال: “فلنملك الجرأة والشجاعة، كل القوى السياسية أقوى من الدولة ولو بنسب متفاوتة، ولكن ليست كل القوى السياسية تسعى لقيام الدولة الموحدة القوية التي هي المساحة المشتركة الوحيدة بين اللبنانيين. واضح ان الطريق أمام بناء الدولة لا يزال طويلا وشاقا، والمعادلة السياسية اللبنانية اصبحت واضحة وفائض القوة هو ظاهرة تناوبت عليها تقريبا مختلف الطوائف والاحزاب السياسية، ولكن النتيجة كانت دائما واحدة: العودة الى طاولة الحوار وتكريس منطق التسوية السياسية، فلا يستطيع اي فريق لبناني ان يلغي اي فريق آخر، لا سياسيا ولا عسكريا ولا معنويا ولا إعلاميا”.

وختم الريس: “لا بد من العودة الى مشروع الدولة في الوقت الذي تنهار فيه الكيانات والدول وتسقط الحدود الجغرافية، وذلك من خلال التمسك بالطائف وضرورة العودة سريعا الى إحياء العمل الدستوري والمؤسساتي، وذلك لا يكون الا من خلال انتخاب الرئيس المسيحي الماروني خصوصا في هذه اللحظة التي يتهجر فيها المسيحيون من الشرق، ما سيعيد تكريس التجربة اللبنانية كتجربة متقدمة في التنوع والتعددية والعيش المشترك”.

كنعان

والقى كنعان كلمة رأى فيها ان “الشراكة في المطلق ترتب حقوقا للشركاء وواجبات على كل منهم، بحيث تتحدد هذه الحقوق والواجبات بشكل واضح وصريح في نظام الشركة”.

وشدد على ان “الشراكة الوطنية تبدأ بصياغة رؤية وطنية مشتركة في مختلف المسائل الخارجية (حياد، خيارات مستقلة، الخ) والداخلية يشارك فيها جميع مكونات الوطن دون استثناء، وذلك في إطار من الديمقراطية والحرية وبعيدا عن الظروف الاستثنائية وضغوطاتها والمصالح التي تتحكم بمسارها وما قد تفرزه من نتائج. وان الشراكة الوطنية تعني بان يحترم الشركاء في الوطن حقوق شركائهم المكرسة في النصوص الوضعية من دساتير وقوانين ومواثيق، فلا يفتئتون عليها ولا يعملون على الانتقاص منها، فالشركاء في الوطن سواسية في الحقوق والواجبات، وما لا يرتضيه شريك لنفسه يجب ان لا يفرضه على سواه. ان الشراكة الوطنية تفترض تفهم هواجس الشريك الآخر والعمل على طمأنته، وليس الإمعان في قهره وتجاوزه وتسعير هواجسه. ان الشراكة الوطنية هي فعل إيمان دائم ما دام الوطن، وليست شعارا يرفع في المناسبات. ان الشراكة الوطنية هي التزام كامل بمقومات الشراكة، وليست لائحة طعام يطلب منه الشريط ما يريد ويهمل ما لا رغبة او مصلحة له فيه. والشراكة الوطنية إيثار وليست استئثارا”.

وقال: “هذا هو فهمنا، في التيار الوطني الحر، للشراكة الوطنية، وهذا هو النبراس التي نهتدي به في ممارستنا السياسية وفي علاقاتنا بشركائنا في الوطن”.

وعدد سلسلة مطالب في مقدمها: رئيس للجمهورية قوي في بيئته وقادر على الإيفاء بالتزامات الرئاسة الوطنية وقسمه، هو من أجل تكريس الشراكة الوطنية الحقيقية المغيبة منذ 24 عاما، انتخاب يؤمن المناصفة الفعلية بين الطوائف ويحقق التمثيل الصحيح لجميع مكونات المجتمع اللبناني، اعتماد اللامركزية الادارية والمالية الموسعة، الالتزام بأحكام الدستور المتعلقة بالمالية العامة، وبأحكام قانون المحاسبة العمومية التي تحدد موازنة الدولة وشموليتها، التمسك بالمبادئ الكيانية المؤسسة للوطن اللبناني والتي هي سبب وجوده وجوهر رسالته في التسامح والتنوع والتعايش الفريد القائم على المشاركة الكاملة في الحكم”.

وقال: “صحيح ان الشراكة الوطنية هي سبيل لتحصين الدولة ولنبذ العنف، اذا حسنت النوايا وتضافرات الإرادات من أجل احترام مرتكزات هذه الشراكة والعمل على الالتزام بمقتضياتها، إلا فانها تصبح سبيلا الى الشعور بالقهر والغبن والإستقواء وتحين الفرص للاقتصاص والثأر فتسقط الدولة وتسود شريعة الغاب. والتجربة غير مشجعة على امتداد خمس وعشرين سنة سابقة وما زالت”.

ودعا كنعان الى “الإتعاظ من تجربة الماضي المستمر في حاضرنا من أجل بناء علاقاتنا المستقبلية، ولنعمل على إزالة هذه الهواجس بتحقيق الشراكة الوطنية الحقيقية التي وحدها تحمي الكيان وتحصن المؤسسات وتبني الدولة وتجعلنا قادرين على مواجهة التحديات المتعاظمة والأخطار الداخلية والخارجية متماسكين ومتحدين في الدفاع عن لبنان ومصالحنا الوطنية”.

الجراح

ثم تحدث الجراح، فاعتبر ان “أخطارا جسيمة تهدد لبنان بكيانه واجتماعه الوطني، وان هناك خللا في البنى الاساسية للدولة. فلقد تعثر استكمال بناء المؤسسات وبناء الدولة الناظمة للاجتماع اللبناني بتنوعه الديني وإرثه الثقافي والمحافظة على إيقوناته الوطنية وأولها وأهمها المساحة الكبيرة والمميزة من الحرية على تنوعها، من حرية الفرد الى حرية المعتقد وحرية التعبير، ولهذا التعثر أسبابه وظروفه الداخلية والخارجية”.

وقال: “أمام التحديات والأخطار لا بد لنا جميعا من وقفة مسؤولة تنقذ لبنان واللبنانيين وتحافظ على الكيان والدولة وتخفف من تداعيات ما يجري حولنا، وذلك عبر تجاوزنا للتناقضات الفرعية والهامشية وتغليب منطق العقل والتبصر بقضايانا الاساسية والجوهرية وتوحد قوى الإعتدال وإرساء مفاهيم السلام وقبول الآخر وتحييد لبنان عن صراعات المنطقة وعدم التدخل في قضايا الدول الاخرى، لانه عندما يحين زمن التسويات والحلول سنرى أنفسنا على مائدة المفاوضات عرضة لكل أنواع الإختزال والإلغاء، وسنكتشف ان ما بذلناه من أرواح شبابنا ومن اقتصادنا واستقرارنا وسلمنا الأهلي ليس له أي قيمة أو دور”.

وختم الجراح: “لقد آن الأوان بان نجتمع على مصالح لبنان العليا وعلى إعادة الإعتبار للفرد اللبناني ولقيمته الانسانية وحريته واستقراره وأمنه وأعطاء الفرصة لإبداعه وفكره. هذا الفرد الذي أثبت عبر التاريخ انه رائد من رواد النهضة على مساحة الوطن العربي”.

ماروني

من جهته قال ماروني ان عنوان هذه الندوة “الشراكة الوطنية سبيل الى تحصين الدولة ونبذ التطرف” هو “وحده الكفيل بإيجاد الحلول لأخطار قادمة ولبقاء لبنان بلدا نموذجيا ولإعادة تفعيل مؤسساته وبنائها. والشراكة هي التوازن بين الجميع وإشراك الجميع حتى لا يسبب قهر فئة سبيلا الى تطرفها كما حصل في الماضي وكما يحصل اليوم”.

وشدد على ان “الطريق الأول الذي علينا سلوكه هو الوحدة الحقيقية لبناء الدولة أولا ثم تحصينها من الفتن والتطرف”.

وقال: “نحن بحاجة الى بناء دولة قوية، قادرة، موحدة، فيها فقط وفقط مواطنون متساوون، نحن بحاجة الى دولة تؤمن بالإنماء المتوازن وتعمل على تفعيل المؤسسات وإيجاد فرص عمل للشباب، لأن الشباب العاطل عن العمل هو أول من يقع فريسة سهلة لمن يريد زرع الأفكار المتطرفة في رؤوسهم، وفي الأساس يجب ان تكون مؤسسات الدولة مفتوحة أمام الجميع”.

وأكد “ان التنوع الطائفي في لبنان هو مصدر غنى، ووحدة هذا التنوع مصدر القوة، قوة الوطن وقوة المواطن، وللوحدة شروط ذكرتها، وهي وحدها تصون الارض والشعب وتقضي على التطرف وتقودنا الى الانتصار في التصدي له، فتعالوا نبني مواطنا لنبني وطنا يبقى لنا وطن قانون ووطن مؤسسات. اما في غير ذلك وغير ما تقدم، فاني آمل ان نصل يوما الى بناء الدولة وان نؤمن جميعا باننا شعب واحد موحد وبان الدين لله والوطن للجميع”.

حمدان

بدوره قال حمدان: “ان تلبية الدعوة هي فعل إيمان لدى حركة أمل في إطار السعي والبحث للخروج من هذه الحلقة بالحوار والإنفتاح وتوسيع المساحة المشتركة بين اللبنانيين، إنطلاقا من ثابتة لدى أمل بان لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه وكللت هذه الثابتة وثيقة الوفاق والدستور”.

وقال: “ان المنطقة عرضة لسلسلة من الزلازل وتردداتها، ونعول على اللبنانيين وتضامنهم فيما العكس يجري في البلدان العربية، ما أدى الى مليون ونصف مليون لاجئ عدا نصف مليون نزحوا بعد نكبة فلسطين، وبتنا أغنياء بالمواعيد والوعود، فيما يتحمل اللبنانيون كارثة كبيرة نتيجة هذا النزوح”.

أضاف: “ان امورا طارئة تختزل ما نعيشه: الفراغ الرئاسي والنزوح، اما أزمة الفشل في بناء الدولة فيتحمل مسؤوليتها الجميع، علينا ان نعتبر من تجارب الآخرين، ليس المطلوب ان نخترع صيغة جديدة، لدينا صيغة فريدة تتمثل بالتعايش الاسلامي- المسيحي التي باتت مطلبا لصياغة السلام والتعايش في البلدان العربية، واذا بقينا في الانتظار تنحدر الامور سريعا وتتجه نحو الانهيار ولا يجب ان تستمر هذه الوضعية. فعلى اللبنانيين التضامن في مهمة جبارة وهي إنقاذ الكيان، ونحن في لحظة نشهد فيها تبدلا في الكيانات في ثلاث قارات”.

وتمنى “ان تكون المبادرة مقدمة لحوار أشمل وأوسع بين اللبنانيين للحفاظ على الدولة والكيان وتعويض الفشل طوال عقود في بناء الدولة”.

وتابع: “الخطر اننا نبني جيلا جديدا في غيتوهات تربوية، لان هامش ومساحات الاختلاط بين الطلاب اللبنانيين تضمحل وقد افتقدنا هذا التعايش والاختلاط ليس فقط بين المسيحيين والمسلمين، بل بين المسلمين أنفسهم”. وتساءل “هل لدينا حكم عادل؟ كلنا نشكو غياب الحكم العادل”.

وختم حمدان: “علينا ان نستكمل الخطوة التي بدأناها بحوار وطني جامع وتوسيع هذا الحوار لنسلم هذا البلد وطنا حرا سيدا عزيزا ونمنع انقضاض اسرائيل على هذا الكيان. وهناك خوف من الانهيارات التي تحصل في المنطقة ومبادرة اسرائيل الى استقلالها وواجبنا منعها من ذلك ومقاومة سعيها الى ضرب صيغة التعايش”.

وثيقة

وبعد الندوة وقع ممثلو الاحزاب على الوثيقة المشتركة التي تلا نصها وليد خوري، وهي بعنوان “الشراكة الوطنية سبيل لتحصين الدولة والتصدي للتطرف”.

وجاء فيها: “نحن ممثلو الاحزاب السياسية اللبنانية المشاركين في مؤتمر “الشراكة الوطنية ونبذ التطرف” نعلن التزامنا بمبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية واحترام حقوق الانسان والمواطن التي تنص عليها الشرائع المدنية، وفي مقدمها شرعة الامم المتحدة والشرائع الدينية ولا سيما منها المسيحية والاسلامية.

اننا اذ نعلن انتماءنا للبنان الموحد والمتنوع، نؤكد تمسكنا بالشراكة التي عبرت عنها وثيقة الوفاق الوطني وبدولة سيدة حرة مستقلة وبجمهورية أساسها الدستور، ترعاها القوانين وينهض مجتمعها ومؤسساتها على ركائز الشراكة الوطنية المتوازنة وعلى الاعتدال والإنفتاح والاعتراف والاحترام المتبادل بين المواطنين على تنوع انتماءاتهم الدينية والثقافية والسياسية.

ان تجديد الالتزام بشرعة حقوق الانسان وبدولة الحق والمؤسسات وبالشراكة وبالاعتدال هو المدخل الصحيح لحماية لبنان مما تتعرض له بعض الدول والمجتمعات ومنها المجتمعات العربية من موجة تعصب وتطرف تبلغ حد العنف الدموي، وذلك عن طريق تحريف الدين وتشويه جوهره واستغلاله لغير غاياته النبيلة.

بناء على ما تقدم نؤكد على الآتي:

– إدانة جميع أنواع الإرهاب الفكري والدموي في أي مكان في العالم ورفض التعصب الديني الذي يؤدي اليه.
– التمسك بجوهر الديانتين المسيحية والاسلامية اللتين تقومان على الدعوة الى السلام وإقامة العدل بين البشر.
– احترام حق الاختلاف بالرأي والمعتقد والدين.
– تحريم اللجوء الى العنف واعتبار الحوار أداة وحيدة لحل المشاكل بين الأفراد والأحزاب السياسية والجماعات التي تتشكل منها المجتمعات والأوطان.
– صون العلاقات المسيحية- الاسلامية في دول المشرق التي قامت مجتمعاتها على التنوع الديني والثقافي منذ أكثر من ألفي سنة، وهذا يعني بكل وضوح التصدي لاعمال العنف والاضطهاد او التخويف التي تتعرض لها جميع شعوب المنطقة وتؤدي الى هجرتهم والى انحسار التنوع الذي ميز دول المشرق العربي عموما.

وفي ما خص لبنان، نعلن التأكيد على الآتي:

– التمسك باتفاق الطائف الوثيقة الدستورية التي حسمت الكثير من القضايا الخلافية السابقة والتي أكدت على عروبة لبنان ونهائيته ككيان مستقل والتي أكدت على ممارسة الشراكة المتوازنة والحقيقية بين جميع الطوائف في صناعة القرار الوطني وتصحيح الخلل الحاصل على مستوى الحكم والادارة وإعادة التوازن في الشراكة السياسية.
– انتظام العمل بين المؤسسات الدستورية ومعالجة اي خلل يؤدي الى تعطيل إحداها وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية.
– إعادة تكوين السلطة وبنائها على أساس الشراكة والعدالة من خلال إصدار قانون عصري للانتخابات النيابية يعكس صحة التمثيل وعدالته.
– تفعيل المناصفة التي نص عليها الدستور كما ونوعا.
– الاتفاق على ضرورة صياغة القرارات الوطنية المتعلقة بانتظام العمل بالمؤسسات الدستورية بمعزل عن التأثيرات والإملاءات الخارجية.
– التأكيد على حق الدولة اللبنانية صاحبة السيادة على جميع الاراضي اللبنانية بمؤسساتها الدستورية اللجوء الى جميع الوسائل المعترف بها دوليا لتحرير الاراضي اللبنانية المحتلة من قبل العدو الاسرائيلي.

ان التزامنا بهذه المبادئ، الثوابت، يؤكد على تضامننا في وجه كل من يهدد مصيرنا ويشوه أدياننا، ولن نألو جهدا في حماية التنوع والحق في الاختلاف والتمسك بالاعتدال لأن قوتنا في اعتدالنا وضمانتنا في شراكتنا”.

المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام