لقاءات واجتماعات بعيدة من الأضواء – الرابطة المارونية نحو رأب الصدع المسيحي

المصدر: نداء الوطن – غادة حلاوي – 25/5/2021

كثيرة هي القضايا التي تشكل هماً مشتركاً عند المسيحيين او أقله بين الأحزاب والجمعيات والروابط التي تمثل الاكثرية المسيحية والموارنة على وجه التحديد. اولاها الهم التاريخي المرتبط بالخوف على الوجود السياسي من حيث المشاركة الفعلية وحفظ الحقوق في الدولة، والخوف من الهجرة. مرد هذا الخوف وفق اوساط مسيحية الى “قرارات خاطئة اتخذها قياديون في السنوات الخمسين الاخيرة او نتيجة متغيرات محلية وإقليمية أدت الى تدفيعهم ثمناً كبيراً يتلخص بصورة اساسية في انهم فقدوا الموقع المتقدم الذي كانوا يحتلونه في بنية الدولة منذ العام 1920”.

لا يلغي هذا الهم المشترك وجود صراعات مشتركة لكنه في لحظة معينة يعود فيظهر على السطح. حصل ذلك بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في قانون الانتخاب واعتبار الطرفين ان القانون الحالي مكسب لا يمكن التفريط به لذلك فقد شكلت دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى قانون لبنان دائرة كبرى على اساس النسبية، طرحاً غير واقعي والرد على ذلك تردد في اوساط التيارالوطني والقوات وحتى رئيس الجمهورية ولذلك يرفضون بالمطلق الدعوات الى الغاء الطائفية السياسية والغاء القيد الطائفي حتى من قبل البطريركية المارونية.

ويأتي في الهموم المشتركة ايضاً الخوف من الهجرة والدفع باتجاه الضغط لاستصدار قانون لاستعادة الجنسية للمتحدرين من اصل لبناني والمشاركة في الانتخابات. ربما يهدفون من ورائه الى تعديل موازين الديموغرافية التي اختلت بسبب مرسوم التجنيس الذي اقر في عهد الرئيس الياس الهرواي ووزير الداخلية بشارة مرهج والذي تصدت له الرابطة المارونية حينذاك. هذا فضلاً عن مطلب تطبيق اللامركزية الادارية “التي تجعلهم اسياداً في المناطق ذات الاكثرية المسيحية”.

هي هموم “وجودية وكيانية” ربما جعلت القوات والتيار الوطني يلتقيان على موقف مشترك في جلسة مجلس النواب الاخيرة والذي كان موضع ترحيب من رئيس الرابطة المارونية النائب السابق نعمة الله أبي نصر الذي تمنى لو يكون ذلك مؤشراً الى تفاهمات “واعدة وواجبة بين مختلف الافرقاء المسيحيين”.

منذ وقت غير بعيد تنشط الرابطة المارونية على خط رأب الصدع في الموقف المسيحي وتستعين على همها بالاتكال على الحلفاء التاريخيين ممن يشكل الهم المسيحي اولوية لديهم ويحرصون على تعزيز وجودهم. فقبل ايام قصد وفد من الرابطة المارونية برئاسة النائب السابق نعمة الله ابي نصر قصر الصنوبر وعقد والوفد المرافق جلسة مطولة بعيدة عن الاعلام مع السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو. تركز البحث حول الهم المسيحي الماورني على وجه التحديد. خلال اللقاء تم استعراض الواقع المسيحي بتفاصيله والهواجس التي تسكن الموارنة والازمة اللبنانية عموماً وآلية الخروج منها.

آثر الوفد شرح العلاقة التاريخية لفرنسا مع لبنان ودورها ورهان الموارنة على لبنان الكبير والعيش المشترك بين ابنائه، ثم عرض التحديات التي تواجه لبنان والمسيحيين فيه على وجه الخصوص. وبعد ان اطلعها على نشاط الرابطة وموقعها، عرض ما يمكن ان ينجز كخطوات يمكن ان تساهم في تقريب وجهات النظر بين الافرقاء للخروج من الواقع المأزوم. حضرت بكركي ودورها والذي كان موضع اشادة السفيرة الفرنسية لناحية العمل على تخفيف الاحتقان الماروني الماروني وصولاً الى تأمين اتفاق الحد الادنى في ظل ازمة النظام التي يعيشها لبنان. وخلال الاجتماع اعادت السفيرة الفرنسية التأكيد على أن بلادها تعول على التفاهم اللبناني الداخلي للخروج من الازمة التي يتخبط بها لبنان، من دون ان يفوتها التنويه بان المسيحيين في لبنان يمسكون بمفاصل مهمة في الدولة ومؤسساتها وفي القطاعين المالي والاقتصادي ما لا يبرر احباطهم. وفهم الحاضرون ان الموقف الغربي يتجدد باستمرار عن طاقات لبنان في الاغتراب وقدرة ابنائه على تخطي الازمة بذكاء. وابدت استعداد بلادها لمساعدة لبنان والوقوف الى جانبه من خلال برامج انمائية في مختلف المناطق اللبنانية وهي لن تتخلى عن وقوفها الى جانب المسيحيين في لبنان.

وفي اطار الاتصالات البعيدة عن الاضواء التي تجريها الرابطة المارونية، لقاء مع السفير البابوي تم خلاله عرض الواقع المسيحي وما يعانيه من تشظيات والدور الذي يمكن ان يضطلع به الفاتيكان في التصدي لما يحصل في لبنان. اشتف الحاضرون ان الفاتيكان يواصل اتصالاته دولياً وعربياً ومحلياً من اجل معالجة الوضع المتردي في لبنان على كل المستويات وكرر السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتاري امام زائريه نصيحة الكرسي الرسولي بأن المشكلات في لبنان لا يمكن حلها الا من خلال معالجة شاملة تشترك فيها كل الاطراف من دون ان يفوته الحديث عن حجم العراقيل المتأتية من عوامل خارجية تلقي بظلالها مع العوامل الداخلية، لذا لا بد من قيام حوار لبناني لبناني بين مختلف المكونات على خلفية ان المساعدة الخارجية اياً كانت فان اي معالجة جادة انما تنطلق من تفاهم اللبنانيين في ما بينهم ويتعين على الفرقاء المسيحيين وقف الحالة الانقسامية كي يتمكنوا من توفير مخرج آمن ومقبول لهذه الازمة.