كرّم رئيس مدرسة الحكمة – بيروت الخوري جان بول أبو غزالة، رئيس وأعضاء الهيئة الادارية لجامعة قدامى المدرسة ثلاثة من كبار قدامى الحكمة: رئيس الرابطة المارونية، النقيب الاسبق للمحامين الاستاذ انطوان قليموس، نقيب المحامين في بيروت الاستاذ انطونيو الهاشم، نقيب أطباء الاسنان في بيروت البرفسور كارلوس خير الله وذلك برعاية رئيس أساقفة بيروت ، وليّ الحكمة المطران بولس مطر، مساء الاثنين 9 أيار في مسرح المدرسة مبنى القدامى، قاعة جبران خليل جبران
وكانت للنقيب قليموس كلمة جاء فيها:
تُعيدني اللحظة اليوم إلى مجالس لنا في الحكمة كُنتَ أنت فيها الساقي والنشوان وكنّا جُلاّسك السكارى مرّتين مرّة بك ومرّة معك.
وتُظلّلنا بقامة مديدة، وتُدخلنا في زمانك وتُذوّقنا طُعمَ الأساتذة الكبار الذين لابستهم دهراً ملياً تقرأَهم وتُقرئهم، وتأخذ عنهم، ثمّ تُقرّب الموارد وتُدنّي المصادر، وتُصوّب الخطى، وقد أُعِنتَ بما لا ندرِ معه، أنثرٌ من الشعرِ ما نسمع أم شعر من النثر.
وتقطع الأيامُ بيننا ونهتجر وتتقسّمُنا هموم، وتتصرف بنا دنيا غالبناها على الرزق برؤوس مرفوعة، وما اعتمدنا إليها على إستجداء أو ملق.
الى اليوم الذي تعب فيه قلبُك الكبير، فتترك الفانية الحاقدة نحو مملكة المجد الذي لا يزول.
لك منّي الف تحيّة يا معلمّي حسيب عبد الساتر في هذا اليوم الذي جئته مكرِما لا مُكرّماً في رحاب “حكمتي” المتجذّرة والفتيّة بعد أن تركتَها منذ خمسين ونيّف دونما بعدٍ منّي أو هجرة.
صاحب السيادة والرعاية
أصحاب المعالي والسعادة،
سيداتي، سادتي
رفاقي الحكماويين.
عذراً ايّها الأب الرئيس، إن بدّلتُ في هويّة المكرَّم الليلة. فاسمحوا لي اليوم أن أُهدي ما أنا عليه إلى من أعطوني الزّاد الذي قطعت به الوعر والمعارج من مسالك الحياة، عنيت بهم آباء الحكمة وأساتذتها، وما تحيّتي في مطلع كلمتي إلاّ لهم من خلال المعلم الأعزّ الذي وفرّ لي ظروف النهل من علمه ومعرفته والأخلاق التي أغدقها عليه سيد الأكوان.
لقد أخذتنا الحكمة بيديها الإثنتين ورمقتنا بعينيها وعلّمتنا أن نقوى بالجلاد كما نقوى بالجدل ونَطرب لبراعة الذهن كما نَطرب لمقارعةِ الخصم ومصارعته، والحكمة التي أخلصت جوهرها السنون واحكمت رأيها وأعلتْه، وتأنقّت وتألّقت في صناعته، لم تُقعَد عن قيادة أبنائها إلى قتال حام بين علم أعزل وجَهل مستبد، تُضيف اليوم إلى كلمات خلت كلمات جديدة مُضيئة، تكتبها لتهدي وتُسدي وتَسدد، وتنطلق وراء المجد للمجد. وتمكّن لمعاني الخير والحق والجمال في وطن هو اسبق واسرع الأوطان قُدماً الى المدنيّة، وأعرقُها في المعرفة.
لقد علّمتنا الحكمة كيف نذوق لذّة ما نعرف، ومتعة ما نكتشف وحسبها منّا اننا أخذنا عنها كيف نكون ونبقى حجة على البشاعة ، وجبهة عالية على الزيف، ومدداً فكرياً لخزائنها الفكرية الكثيرة، وأن نؤدي عنها إلى العالم ضريبة أمجادها.
أيها الأحبّة،
نلتقي اليوم بمبادرة كريمة من الأب الرئيس جان بول أبو غزالة والصديق الزميل فريد خوري رئيس جامعة قدامى الحكمة لنكرّم سويّة قيم الحكمة الجامعة التي تربيّنا عليها، ألا وهي التضامن والمحبّة والرجولة والعنفوان والوطنية التي زُودناها قبل انتقالنا إلى مجهول الحياة ورحاب الدنيا.
على أثر إنتخابي نقيباً للمحامين سنة 1997، تقدّمت بطلب تعليق انتسابي في حزب الكتلة الوطنية،
وقد هنّأني يومها العميد الراحل ريمون إده على موقفي، فله منّي كل محبة ووفاء عشيّة ذكرى غيابه.
أما انتسابي للحكمة لم يُعلّق لحظة في حياتي . إنه سرمدي أزلي حتّى يسترد الخالق وديعته.
حكمتي هذه، علّمتني قول كلمة الحق مهما غلت، وأنهتني عن التملّق المفضي إلى إنهيار القيم.
إن من مظاهر بؤسنا العميم وشقائنا اليوم أن ينبري اناس لوعظ لا يتّعظون به، ويتحدّث مسؤولون عن عفّة لا يملكونها، ويحاضر أدعياء علم يجهلونه، ويقتني بعضهم سلطة لا يستحقونها ويبتلي قوم بالمعاصي ولا يستترون .
لقد إحتَجب الرجال المجرّبون ذوو الدراية والحكمة والمعرفة والصدقية أو غابوا وموت الأعيان من تعس الزمان. وما من نكد اشدّ إيلاماً من هذا القحط الذي أورث ما اورث حتّى أعطى الولاية في الناس لمن هم أحوج إلى الوصاية.
هكذا ابتُليت الناس بما لا طاقة لها على ردّه وصار اتقاء العسف مَدعاة للتملّق، واحترام أهل الحلّ والربط سخرية صامتة من شرورهم، لكن ليس إلى حدّ أن تُسمّى الجَهالة عقلاً والتفاهات علماً والهذيان حكمة، فالثقافة لا يمكن أن تُبتذل لأن لها معاييرأقوى من كل سلطة.
صاحب الرعاية،
يا من تحمل صليب الوطن وهموم أبنائه وقيم الحكمة، يا من جرّحه الصّمت، إننا نلتف حولك في كل ما أنت إليه ساعٍ أو جاهد.
أحبّائي،
ليس هذا التكريم سوى دعوة إلى التعلق بالقيم الحكماوية التي صدّرت الى الوطن الرجال الرجال بدلاً من الجُهّل والفاسدين.
إننا ومن هذا المنبر الأحب نطلق صرخة لإنقاذ ما تبقّى رحمة بأبنائنا كي نتمكن من ترجمة دعوتنا لهم للتجذّر في هذه الأرض المعطاء التي أنبتت بناة النهضة في هذا الشرق.
وبالنهاية اسمحوا لي ان أحيّي كل من سعى ونظّم هذا اللقاء مع الوجوه النيّرة المخلصة فلهم منّي كل محبّة ووفاء ولحكمتي الوعد بأن أبقى على هديها، فهي النور الذي أنار دربي في ظلمة الوطن.
عاشت الحكمة فتيّة مدى الدهر
ليحيا بها لبنان