الراعي مستقبلا المجلس التنفيذي للرابطة المارونية: لبنان يقوم على سواعد شعبه ولكل واحد منا دوره في قيامته، الحلو: للإرتقاء بلبنان إلى مساحات الثقافية والأفكار البناءة

زار أعضاء المجلس التنفيذي للرابطة المارونية برئاسة المهندس مارون الحلو الصرح البطريركي في بكركي، لأخذ بركة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بداية ولاية المجلس الجديدة والتي تستمر لثلاث سنوات بمشاركة الرؤساء السابقين للرابطة.

الحلو

وفيما يلي كلمة الرئيس الحلو:

“غبطة السيد البطريرك الكلّي الطوبى،
نتشرّفُ بزيارةِ غبطتِكم، غداةَ تزكيةِ الهيئةِ العامة في الرابطة المارونية مجلسَنا التنفيذي، لأخذِ البركة والتوجيهاتِ في مستهلِ ولايتنا. ولنعاهدُكم، وعبرَكم الموارنة واللبنانيين على أن تكونَ الرابطة في السنواتِ الثلاثِ المقبلة، في الخطِ التاريخي للموارنة وللرابطة، لاسيما على مستوى الرسالةِ الثقافيةِ والسياسيةِ التي اضطلَعوا بها من أجلِ لبنان في الماضي وفي الحاضر.
لقد مرّتْ خمسةُ عقود قاسيةٍ على لبنان. وما العهدُ الجديدُ الذي أطلَّ على لبنانَ والمنطقة، على كلِّ الصعد، سوى فرصةٍ نادرةٍ، على اللبنانيين اغتنامُها لإنقاذِ بلدهم. فقد تفيدُ الرياحُ أشرعةَ سفينةٍ لكنَّها لا تحدّدُ لها وجهةَ الإبحار. وما لم يقبضْ اللبنانيون على الفرصةِ السانحة ويُحسنوا التعاملَ معها، واستخدامَها لمصلحةِ بلدِهم، فسيخسرون مرةً جديدةً إمكانيةَ استعادتِه. ولن يحسنَ اللبنانيون، وفي مقدّمِهم المسيحيون، وبالأخص الموارنة، الاستفادةَ من الفرص، ما لم يحزِموا أمرَهم وينظّموا مجتمعهم ويجدّدوا دورهم في لبنان ومحيطه.
لقد شهدتْ مساحةُ الحرية التي شكَّلَها وطنُنا حروبًا باردةً وساخنةً متعدّدةَ الأبعادِ والمطامعِ والأوجه، وتأذّتْ كثيرًا إلى حدّ تصدُّعِ صورتِها في عيونِ أبنائِها، ومَن شكَّلتْ بنظرِهم سويسرا الشرق. وتبرزُ اليوم حاجةٌ ملحّةٌ لإعادةِ ثقةِ اللبنانيين، بلبنانَ ومستقبلِه ونوعيةِ الحياةِ فيه، إذ إن تفاقمَ فقدانِ الأملِ من إمكانيةِ استعادتِه تألّقَه، ينعكسُ دائمًا سلبًا على مستوى تنامي الهجرة الاغترابية نحو الغرب، ومستوى تلاشي إرادةِ الحفاظِ على طابعِ لبنانَ التاريخي.
ثمة انطباعٌ عام أن الحالَ في لبنان يجب ألّا تستمر على ما هي عليه، وأن لبنانَ يحتاجُ إلى استنهاضٍ، ولطالما اعتبرَ فؤاد افرام البستاني أن شرطَ استنهاضِه هو استنهاضُ الموارنةِ أنفسِهم. ومهمةُ الرابطةِ ومسؤوليتُها، في هذا الصدد، واضحتان، وتقعان في منزلةِ العقلِ والقلبِ في الجسد. من هنا انبرينا كموارنة، حريصاتٍ وحريصين على مستقبلِ وطنِنا وشعبِنا، للقيامِ بواجبِنا والسعي لإطلاقِ ديناميةٍ تغمسُ من الجذورِ الأصالةَ والصلابةَ والرؤيةَ، وتتكحّلُ بمقتضياتِ الحداثِة ووسائلِها ولغتِها، للنهوضِ بالرابطةِ وبثِ روحٍ متجدّدةٍ لتفعيلِ حضورِ الموارنة ودورِهم في قلبِ لبنانَ بالتعاونِ مع المؤسساتِ والجمعياتِ المسيحيةِ وغير المسيحيةِ، في سبيلِ إعادةِ الاعتبارِ إلى الفكرةِ اللبنانية وتجربتِها في مجالِ التآخي بين مختلفِين يجمعُهم هدفٌ أسمى وهو تأمينُ الحياةِ الأفضلِ للشعبِ اللبناني من دون الانغماسِ في زواريبِ المصالحِ الضيّقةِ والارتقاءِ بلبنانَ إلى رحْبِ المساحاتِ الثقافية والأفكارِ البنّاءة.
إن الحاجةَ اليوم، أكثرَ من أيِّ يومٍ مضى، إلى استلهامِ القيمِ المارونيةِ الأصيلة وإعادةِ صوغِها بلغةِ العصرِ وحقوقِ الإنسان. لذا تشكَّلَ فريقُ عملٍ متعدّدُ الاهتماماتِ والاختصاصاتِ واختار “التجذّرَ والتجدّدَ” عنوانًا لخطةِ عملِه التي سينفّذُها خلال السنواتِ الثلاثِ المقبلة، تحت عباءة الصرحِ البطريركي، وضمنَ توجّهاتِه ورؤيتِه التاريخيةِ لرسالةِ لبنانَ، ودورِه في محيطهِ والعالم.
لذا سيضعُ أعضاءُ المجلسِ التنفيذي الجديد نصبَ أعينِهم تاريخَ الموارنة المجيد، وسيستلهمون أداءَهم في مختلفِ المحطاتِ والمنعطفاتِ والمراحلِ التاريخيةِ المتعاقبة، حين حافظتِ الجماعةُ المارونية على دورِها النهضوي الرائدِ، من خلالِ حرصِها على التجدّدِ المستمرِ كي تتمكّنَ من مواصلةِ هذا الدور، عبرَ الانفتاحِ الدائمِ على كلِّ ما هو جديدٍ وعصري في العالم، واستيعابِه وإعادةِ تقديمِه بما يتوافقُ مع حاجاتِ المنطقة التي يعيشون فيها. فأخذت هذه الجماعة خيار العلم والثقافة والمدارس النظامية ابتداء من القرن السادس عشر في جبل لبنان وروما، والمطبعة في القرن السابع عشر والتعليم الإلزامي في الثامن عشر، والجامعات والصحافة في القرنين التاسع عشر والعشرين.
بهذا الخيار، أخذَ الموارنةُ مكانتَهم التي يَحنّون إليها اليوم، ويَحنُّ إليها باقي الجماعاتِ التي يتعايشون معها في لبنان والمنطقةِ العربية، كما يوحي سؤالُ الباحثِ الدرزي أنيس يحيى: “هل تُبدعُ العبقريةُ المارونيةُ بعد انقضاء العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، دورًا لهم تحتاجُه باقي المجموعاتِ اللبنانية، وكذلك العواصمُ الفاعلة؟”

غبطة السيد البطريرك،
إن تزكيةَ المجلسِ التنفيذي التي تمّتْ من دونِ تدخُّلِ مرجعياتٍ كبرى دينية أو سياسية أو حزبية أو اجتماعية أمرٌ نادرٌ في الوسط الماروني يستوجبُ التهيُّبَ أمامه، والتوقّفَ عنده، وتلقفّ دلالاته المهمة. إذ إنّه يعبِّرُ عن حاجةٍ كامنةٍ لدى النخبِ المارونيةِ بوجوبِ التخفيفِ من التشنّجِ وتهدئةِ الخواطرِ والتقاطِ الأنفاس، في بيئةٍ تُعاني من تفاقمِ التنافسِ المَرَضي والانقساماتِ منذ نحو قرن من الزمن.
لدينا الكثيرُ من التصميمِ لكي نكونَ على مستوى الآمالِ المعقودة، وبصلواتِكم وتوجيهاتِكم سنتحمّلُ المسؤولية، والله وليّ التوفيق.”

الراعي

ورد البطريرك الراعي بكلمة، حيا فيها “الرئيس الجديد والاعضاء والرؤساء السابقين للرابطة”، وقال: “كل الدعاء بنجاحكم في خدمة المارونية”، شاكرا الحلو على كلمته وخريطة العمل والطروحات التي ذكرها”، وقال: “إنني على ثقة بأنه تحدث بإسم كل واحد منكم”، مؤيدا “كل ما ورد في كلمة الحلو”، آملا ان “تنفذ حرفا حرفا”، وقال: “لا شك لدي بأنكم ستنفذونها كما هي”.

وهنأ البطريرك الراعي المجلس التنفيذي الجديد، لافتا الى أن اعضاءه “تجنبوا معركة إنتخابية وفازوا بالتزكية”، مهنئا “كل من تخلى عن ترشحه وكان إلى جانبكم، وهذا ما يدل على الوحدة والتضامن والتوافق”، وشكر الرئيس السابق السفير خليل كرم “الذي أرجأ الإستحقاق الإنتخابي في سبيل التوافق الذي تحقق”.

وأكد الراعي ان الموارنة “منفتحين على الحوار والتعاون مع جميع اللبنانيين وهمهم الوحيد لبنان لأنه والموارنة توأمان والماروني يولد حاملا محبة لبنان”.

وأشار الراعي الى ان “دور الموارنة أن يكونوا لكل اللبنانيين، وهذا ما يكتسبونه من خلال حياتهم اليومية. وهم مع لبنان الحضاري والتعددي والديموقراطي ومع الحريات العامة. ونحن نرى اليوم ضوء جديد من الأمل ينبعث مع فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام والوزراء. لذلك نرى أن هناك حياة ونفسا جديدين في لبنان وهذا ما نعتبره من علامات الزمن التي يعطينا اياها الرب”.

وختم الراعي قائلا: “نعلم ان لبنان يقوم على سواعد شعبه، ولكل واحد منا دوره في قيامة لبنان، وهذا الدور ليس محصورا بالمسؤولين فقط”، مؤكدا ان “الرابطة تجمع كل الموارنة ليكونوا في خدمة الوطن لبنان”.