إنطلاق أعمال اللجنة الوطنية والسياسية في الرابطة المارونية

أعلنت الرابطة المارونية إنطلاق أعمال اللجنة الوطنية والسياسية في حفل غداء حاشد أقيم عند الواحدة من بعد ظهر اليوم في فندق الحبتور، تقدمّه ممثل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، رئيس أساقفة بيروت للموارنة بولس مطر، والوزراء: أليس شبطيني، روني عريجي وجبران باسيل. والنواب: نعمة الله أبي نصر ممثلاً رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، هادي حبيش، نديم الجميّل، ناجي غاريوس، سيمون أبي رميا، فؤاد السعد، زياد أسود، ايلي ماروني، فريد الياس الخازن، جيلبرت زوين، سامر سعادة، حكمت ديب. وقد مثّل الرئيس إميل لحود النائب اميل اميل لحود، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الوزير السابق جوزف سركيس.
وتمثّل التيار الوطني الحر بالنائب الان عون، وحزب الوطنيين الاحرار بالمحامي روبير شكري الخوري، وحزب الكتلة الوطنية بوديع أبي شبل ومثّل الشيخ سامي الجميل الدكتور بيار الجلخ.
حضر من الوزراء الموارنة السابقون: زياد بارود، وديع الخازن، فادي عبود، شكيب قرطباوي، فارس بويز، نايلا معوض، ادمون رزق، روجيه ديب، جوزف الهاشم، جان لوي قرداحي، فريد هيكل الخازن وعبدالله فرحات. ومن النواب السابقين: بيار دكاش، منير الحاج، حبيب حكيم، منصور البون، نهاد سعيد، فارس سعيد، مهى الخوري أسعد ونادر سكر.
وشارك في الغداء الرؤساء السابقون للرابطة: إرنست كرم، حارس شهاب وجوزف طربيه، ونقيبا المحامين ومحرري الصحافة اللبنانية جورج جريج والياس عون ومديرة الوكالة الوطنية للاعلام السيدة لور سليمان صعب. إضافة الى أعضاء المجلس التنفيذي للرابطة وإعلاميين.
بدأ الاحتفال بالنشيد اللبناني ونشيد الرابطة الماروني، ودعا عريف الاحتفال عضو المجلس التنفيذي الدكتور انطوان قسطنطين الى الوقوف دقيقة صمت حداداً على شهداء الجيش وقوى الامن الداخلي. ثم ألقى كلمة جاء فيها:
” قبل مئة عام بالتمام، اندلعت الحرب العالمية الأولى وكان أجدادنا يعيشون في متصرّفية “هنيئاً لمن له مرقد عنزة في جبل لبنان”. وطن كانت تبلغ مساحته 3500 كم2. شعب أزعجت نزعته الاستقلالية حكّام اسطنبول فاجتاح العسكر التركي وطنه الصغير. انتهت الحرب وتكلّلت بالنجاح جهود الكنيسة المارونية ومعها نخبة من المفكّرين والمناضلين، فولدت في العام 1920 دولة لبنان الكبير بحدوده الحاضرة. عشية المئوية الأولى لدولة لبنان الكبير، لا يزال بعضنا يسأل، هل أخطأ البطريرك الحويك بتوسيع حدود الجبل؟ أم أن الذين تولّوا القيادة السياسية من بعده كانوا مقصّرين؟
قطعاً لم يخطئ، ولكن الذين توارثوا السلطة وتعاقبوا عليها، لم ينشئوا النظام السياسي والإداري والاقتصادي الأفضل والأنجح، فسقط مشروع الدولة مراراً. في الأفق اليوم أزمة كيانية. قبل مئة عام، هاجر ثلث الشعب وبعد مئة عام استمرت الهجرة ودخل إلى بلادنا مليون نازح سوري. فكيف نحمي الكيان ونحافظ على تنوّعه؟ كيف نحقق النقلة النوعية التي تُحدث الفرق وتجعل الموارنة من جديد، روّاد بناء الدولة المدنية العصرية، مثلما كانوا قبل مئة عام روّاد بناء دولة لبنان الكبير؟ إن الرابطة المارونية المعنيّة بالشأن الوطني، أرادت هذا اللقاء منطلقاً للحوار، بحثاً عن الحلول المطلوبة.”

– بعد ذلك أعطيت الكلمة لمقرر اللجنة السياسية في الرابطة المحامي وليد الخوري الذي قال:
مباركٌ هذا اللقاء في زمن الصوم المبارك ، انه من علامات الخير في الايام الصعبة0 إنه التعبير الأبلغ والأوضح ، عن الوحدةِ في الجوهر والتنوّعِ في الرأي 0لقاؤنا اليومَ ليس من باب الصدفة ، لقد أردناه منتدى حوارٍ وتشاورٍ عشيةَ استحقاقاتٍ مصيريةٍ بالنسبة الى لبنان ، فحين يجتمع الموارنة تكون مصلحة الوطن العليا موضوع اللقاء 0ان الرابطة المارونية ليست طرفا” في التنافس السياسي ، لكنها ومن خلال اللجنة السياسية فيها تسعى لتأمين قناة حوار وتواصل بين الاتجاهات السياسية بتوجيه من رئيسها النقيب سمير ابي اللمع 0اننا نهدف وبمباركة من صاحب الغبطة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الى تحقيق جوهر الارشاد الرسولي في العمل الوطني وفقا” للثوابت المارونية التي حدّدتها بكركي نحن ندرك حساسية الظروف التي نعمل فيها ، ونعرف أهمية الاستحقاقات الآتية وعلى رأسها استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية0ولأننا نريدُ الحفاظ على الجمهورية وتطويرها في الاتجاه الديمقراطي والمدني 0ولأننا حريصون على تنوع لبنان في وحدته ، نريد ان نعمل معكم ومع جميع الحريصين على الوطن ، لتأمين ما يأتي :

أولا”: التوازن في الشراكة الوطنية سياسيا” واداريا” ووظائفيا” داخل الدولة 0

ثانيا”: قانونُ انتخاباتٍ نيابيةٍ يؤمنُ صحة التمثيل لجميع اللبنانيين0

ثالثا”: التمسكُ بالارضِ والحفاظُ على ملكيتها لتبقى لنا ولاولادنا من بعدنا0

رابعا”: استعادةُ الجنسيةِ اللبنانيةِ وتأمينُ كامل الحقوق للمتحدرينَ من اصل لبناني ونزع الجنسية من غير مستحقيها 0

خامسا”: اقرارُ قانونِ اللامركزية الادارية واطلاقُ عجلةِ التنميةِ المناطقيةِ 0

وعلى هذا الاساس ، لنا كل الأمل في ان تنطلق من هذا اللقاء ، لجنة الشؤون السياسية والوطنية في الرابطة المارونية برئاسة النقيب سمير ابي اللمع ، وبالتعاون معكم جميعا” ، لتحقيق الاهداف – الثوابت التي يُجمعُ عليها الموارنة ، في سبيل لبنان الرسالة ولبنان الوطن ولبنان الدولة 0 هذه هي اهدافنا التي سنعمل على تحقيقها معا” والتي نرى فيها خيرا” للبنان ولجميع اللبنانيين 0

– بعد الخوري القى رئيس الرابطة المارونية الكلمة الآتية: على الولاء للبنان نلتقي اليوم، وبإسم مارون نجتمع، وساعة نذكر القديس مارون، نكون أقرب الى الله… فتلوح لنا كفاف الصوامع وعزلة الأديار وقباب الكنائس وعبق البخور، ويغدو لبنان أرض القداسة وساعة نؤم بكركي، ونلتقي أحبارها، تتدانى المسافات بيننا، وتتداعى السدود
لا داعي للسؤال عن سبب اللقاء، فكلما التقى موارنة فيما بينهم يكون لبنان بينهم. كنيسةً وشعباً بنيناه من دم ودموع، نختلف فيه لكننا لا نختلف عليه، فهو متوغّل في وجداننا بقدر ما هو متوغّل في حنايا التاريخ.
شاءت الرابطة المارونية أن يكون هذا اللقاء حول مائدة الخبز والملح في زمن الصوم المقدّس، جامعاً للقلوب، موحّداً للمواقف حول منظومة المسلّمات الوطنية الميثاقية التي نصّ عليها الدستور.
نحن عازمون على التلاقي بين الاتجاهات السياسية وحريصون على تنوّعها… إنما حان الوقت لنصل الى القواسم المشتركة التي تحفظ وجودنا والكيان، فنضع وننفّذ استراتيجيةً سياسيةً واقتصاديةً واجتماعيةً للعبور الى الدولة المدنية العصرية… دولة الحق والمؤسسات، لا دولة المصالح والتسويات. لهذا الهدف نعلن اليوم انطلاقة لجنة الشؤون السياسية والوطنية في الرابطة المارونية بحضوركم ومشاركتكم كإطارٍ للحوار وتبادل الأفكار وبلورة المشاريع واتخاذ القرار. إن الرابطة المارونية، على صورة بكركي، معنية بلبنان العيش المشترك، وطناً نهائياً لجميع بنيه. نحن معنيّون ونجهر بالدفاع عن حقوق المسيحيين عموماً، والموارنة خصوصاً، في مؤسسات الدولة وإداراتها العامة وأسلاكها العسكرية والأمنية، لأننا حريصون على هذا العيش المشترك وعلى سلامة لبنان، وهي الرسالة التي سار بهديها من سبقنا الى قيادة وخدمة هذه المؤسسة الوطنية العريقة في القدم.
الرابطة المارونية هي أنتم. قوّتها من قوّتكم، وإنجازاتها مرآة لإنجازاتكم. نجاحها نجاحكم فادعموها وواكبوا نشاطاتها. تعاونوا معها في نضالها لتقويم أي اعوجاج وتصحيح أي اختلال وتوجيه البوصلة نحو الهدف الحقيقي الذي نسعى إليه جميعاً، ألا وهو حماية الكيان وبناء دولة توفر العدالة وتحقّق التوازن وتمنع الإقصاء، والتهميش في إدارة شؤون الوطن. نهنئكم على الثقة التي منحكم إياها المجلس النيابي، فأنتم أهل علمٍ وخبرة، يشهد عليهما ماضيكم وإنجازاتكم في الميادين التي عملتم فيها. ملفات عديدة وشائكة تنتظر قراراتكم، أولاها تحضير المناخ الملائم للإستحقاق الكبير (هكذا كان يصفه البطريرك صفير)، وثانيها التصديّ لإنعكاسات الصراع في سوريا على بلادنا وارتداداتها على المستويات الامنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية… وإن فلاحكم في التصدي لهذين الأمرين، سيسجل لكم دعماً وترحيباً من جميع اللبنانيين. إن الإستحقاق الرئاسي أمانة بين أيديكم لتختاروا وفقاً للدستور رئيساً للجمهورية، نريده مقتدراً، رؤيوياً ومقداماً ليقود مسيرة إنهاض الدولة من كبواتها الأمنية والاقتصادية والإنسانية، فيدفع بالوطن الى مصاف الأمم الحاضنة لشعوبها، العاملة من أجل خيرهم وسعادتهم. وإن أيّ رئيس سيقع عليه الخيار، ستكون الرابطة بجانبه، داعمةً لمسيرته… وقد علمّتنا الأحداث أن نجاح رئيس الجمهورية في لبنان، مرهون بدعم الموارنة وتكاتفهم حوله. وأنتم أيها السادة النواب، مسؤولون عن إنجاز قانون للانتخابات يؤمّن صحّة التمثيل الوطني بعيداً عن مغانم الحصص والعدد. بهذا يستقيم العمل التشريعي في الدولة، بدءاً بإقرار قانون اللامركزية الإدارية الموسعة، لتحقيق الإنماء المتوازن، وسنّ قوانين تضع حداً للتبدل الديموغرافي والجغرافي الذي يطال الأرض في لبنان، والذي ينذر بفرز سكاني لا يقوى الوطن على تحملّه. وإن إقرار قوانين تؤمّن للمتحدّرين من أصل لبناني حق استعادة الجنسية اللبنانية والمشاركة في الانتخابات اللبنانية ترشيحاً واقتراعاً من شأنه أن يصل لبنان المقيم بلبنان المغترب، وما يختزنه الأخير من طاقات هائلة يقتضي الافادة منها على العديد من المستويات. كما إن الرابطة المارونية عازمة على أن تتابع معكم تنفيذ حكم مجلس الشورى بسحب الجنسية من الذين حصلوا عليها عن غير حق، وهي معكم في رفض كل إشكال التوطين المباشر والمقنّع، خصوصاً محاولة تسريب قوانين تحت ذرائع إنسانية، هي بمفاعيلها ونتائجها أشد خطراً على هوية لبنان من مرسوم التجنيس. وفي هذا المجال لا بدّ من تحية شكرٍ للسادة النواب الذين أخذوا بتوصيات لجان الرابطة سبيلاً لوضع مشاريع قوانين في العديد من الميادين وأخصّ بالذكر الأمين العام السابق للرابطة النائب نعمة الله أبي نصر الذي تابع هذه الملفات عن كثب أمام القضاء كما أمام المجلس النيابي.
والشكر موصول الى كلّ من شرّفنا بحضوره الكريم هذا اللقاء، من ممثلي أصحاب الدولة، ومعالي الوزراء والنواب الحاليين والسابقين، وممثلي السفراء والمؤسسات والمجالس المارونية، وممثلي رؤساء الأحزاب والتيارات اللبنانية، وأصحاب المقامات النقابية والإعلامية.
شكراً للكلمة الرقيقة التي تفضلتم بحملها الى قلوبنا قبل سمعنا فهي دعم لنا في نهجنا وعملنا. لقد كنتم دائماً موجهاً ومرشداً ونصيراً للرابطة المارونية محبباً الى قلوب أعضائها فلكم منا رئيساً ومجلساً تنفيذياً عميم الشكر على تكرمكم بحضور هذا اللقاء الماروني الجامع، ممثلاً صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكليّ الطوبى، الذي نشكره على رعايته هذا الحفل وعلى مواقفه الوطنية الجامعة الحاضنة لكل اللبنانيين متمنين على سيادتكم أن تنقل الى غبطته أن الرابطة المارونية بمن تمثلّ، تأخذ بروحية ومضمون وثيقة بكركي الوطنية وتترسّم خطى الصرح الكبير في التمرّس بثقافة الحرية والانتصار لها. ومثلما كان الآباء المؤسّسون أوفياء لرسالة الإيمان والحرية، فإن الرابطة وفية لتاريخها وتراث أمّتنا. وكما تحقّق قيام الوطن بفضل جهاد الموارنة كنيسةً ومجتمعاً، نريد أن نحقّق معاً النقلة النوعية في مشروع بناء الدولة المدنية العصرية التي تؤسّس لمستقبلٍ يليق بالموارنة وبهذا الوطن، وهكذا ينتقل مشعل الوديعة من جيلٍ إلى جيل وتشرأب شعلة الموارنة في اعتلاجها، ولن تخبو أبداً.

– كلمة الختام كانت ممثل البطريرك الماروني المطران بولس مطر:
أولانِي صاحبُ الغبطةِ والنِّيافةِ الكاردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريركُ إنطاكية وسائرِ المشرق الكلِّيُّ الطُّوبَى، شرفَ تَمثيلِهِ في هذا اللِّقاءِ الأخويِّ الجامِعِ الَّذي تُحيِيهِ الرَّابطةُ المارونيَّةُ العزيزةُ تَكريمًا لأَعضاءِ اللَّجنةِ السِّياسيَّةِ فيها، وشُكرًا على ما قَامُوا به من نشاطٍ في المجالِ الَّذي كُلِّفُوا الاهتمامَ به، وهو نشاطٌ يُعَوِّلُ عليه، بِخاصَّةٍ في هذه الظُّروفِ الدَّقيقةِ الَّتي تَمرُّ بها البلادُ. ولقد كلَّفَنِي غبطتُهُ بأن أَنقلَ إلى حضرةِ رئيسِ الرَّابطةِ الأمير سمير أبي اللَّمع المحترم، وإلى أعضاءِ اللَّجنةِ التَّنفيذيَّةِ فيها وإلى أَعضاءِ اللَّجنةِ السِّياسيَّةِ وإليكُم جميعًا، أيُّها المُشارِكُون الأعزَّاءُ، بَرَكتَهُ الأبويَّةَ مع أطيبِ مشاعرِ التَّقديرِ والامتنانِ لِلعملِ الدَّؤُوبِ الَّذي تَقُومُ به الرَّابطةُ في خدمةِ القضايا المارونيَّةِ الكُبرَى وَوَطنِنا العزيزِ، لبنان. ولا شكَّ في أنَّكُم تَضَعُونَ اليومَ في رأسِ اهتِماماتِكُم عُبُورَ اللبنانيِّين استحقاقَ انتخابِ رئيسٍ لِجمهوريَّتِهِم، وذلك ضمنَ المُهلةِ الدُّستوريَّةِ المَرسُومةِ لِهذا الانتخابِ، فلا نَقَع بعدَ الخامسِ والعشرين من أيَّار القادمِ، لا سمحَ اللهُ، وَتَقَع معنا البلادُ، في فراغٍ مرفوضٍ على مستوى المسؤوليَّةِ الأولى في الذَّودِ عن لبنانَ وصَونِ مصيرِهِ وتَأمينِ حُضُورِهِ الفاعِلِ بينَ الأمَمِ. وإنَّكم في هذا الأمرِ بِالذَّات وفي سائرِ الأمُورِ الَّتي تَسعَونَ في إِثرِها، ضمنَ مسؤوليَّاتِكُم المارونيَّةِ والوطنيَّةِ، موضوعُ مواكبةٍ وتقديرٍ كبيرٍ من قِبَلِ الكنيسةِ الَّتي إليها تَنتَمُونَ، وعلى رأسِها مَن هُو أبٌ لها وَرَاعٍ، غبطةُ أبِينَا السيِّد البطريرك السَّاهِرُ عليها في لبنانَ والعالمِ، والَّذي يَحملُ هَمَّ لبنانَ وحُسن مصيرِهِ بموجبِ الوكالةِ الَّتي سلَّمَها إليه أسلافُهُ العِظامُ، أولئكَ الَّذين أسهَمُوا مع المُسهِمين الكبارِ في تَكوينِ هذا الوطنِ وفي صَوغِ دَعوَتِهِ والحفاظِ على قِيَمِهِ الأساسيَّةِ؛ وهي قِيَمُ الحرِّيَّةِ والعيشِ المُشتركِ والمساواةِ الَّتي تَجعلُ من لبنانَ منارةً من مَنَاراتِ الشَّرقِ الحضاريَّةِ ومصدرَ فخارٍ أمامَ الدُّنيا بأسرِها. وفي هذه المناسبةِ نَضرَعُ إلى اللهِ سَائِلِينَهُ أن يُوفِّقَ غبطتَهُ في المُبادَراتِ الَّتي يَقُومُ بها على كلِّ صعيدٍ، من أجلِ وُصُولِ الاستحقاقِ الرِّئاسيِّ إلى غايَتِهِ المَنشُودةِ. ولقد وَاكَبتُم مُجملَ المراحلِ الَّتي مَرَّت بها هذه المبادراتُ والَّتي يَعودُ لِكلٍّ من أبنائِهِ دَورٌ في نَجاحِها، من أيِّ مَوقعٍ يَشغَلُونَهُ، ويَعمَلُونَ في إطارِهِ. فلقد أصدرَ صاحبُ الغبطةِ أوَّلاً، ومن أجلِ هذا الاستحقاقِ بالذَّات، المذكَّرةَ الوطنيَّةَ الجامِعةَ، الَّتي أكَّدَت من جديدٍ ثَوابِتَ لبنانَ، وعرَضَت الهَواجِسَ الَّتي يَعرفُها اللبنانيُّون حِيَالَ وَضعِ بَلدِهُم الرَّاهنِ، لِتَصلَ إلى رَسمِ أسُسٍ ثابتةٍ نرتكزُ إليها في انطلاقتِنا نَحوَ المستقبلِ، وإلى تَحديدِ أولَويَّاتٍ في العملِ من أجلِ الوُصُولِ إلى ما تَصبُو إليه البلادُ من خلاصٍ. إنَّ هذه المذكَّرةَ كانت المُنطَلقَ الأقربَ لِمُواجهةِ الاستحقاقِ الرِّئاسيِّ. فقد أراد غبطتُهُ أن يَدعُوَ الجميعَ من خلالِها للارتقاءِ إلى مستوَى العملِ الوطنيِّ المثاليِّ، فَيُوضَعَ مصيرُ البلادِ في أُولَى الأولويَّاتِ ويُدعَى الرِّجالُ الرِّجالُ لأَن يَهتَمُّوا في أن يَكونُوا خدَّامًا صالِحين لِبِلادِهِم، فَيُحاسَبُونَ على أساسِ هذه الخدمةِ وَبِموجبِ تأديتِهِم لها. وبعد أن صَدَرَت هذه المذكَّرةُ، وَأَجمَعَ الفُرَقاءُ على قُبُولِها وتَقديرِ ما جاءَ فيها من مبادئٍ ومن برامجٍ لِلعملِ الوطنيِّ السَّليمِ، انتقلَ غبطتُهُ إلى مرحلةٍ ثانيةٍ وهي مرحلةُ السَّعي المُباشرِ لِتأمينِ إجراءِ الانتخاباتِ الرِّئاسيَّةِ، فلا يكونُ لها أيُّ تعطيلٍ مُمكنٍ على الإطلاقِ. لقد وَاجَهنا سابقًا مُحاولاتِ تَعطيلٍ لِمِثلِ هذا الانتخابِ عبرَ غيابِ أكثرِ من ثُلثِ النُّوَّابِ عن جلساتِ الاقتراعِ. وَرَاحَ المُفسِّرون لِلدُّستورِ يَجهَدُون لِحَلِّ هذه المسألةِ. فالدُّستورُ يَقولُ بِضَرورةِ حُصُولِ أيِّ شخصٍ لِيُعتبَرَ فائزًا على ثُلثَي أصواتِ المجلسِ في الدَّورةِ الأولى لِلاقتراعِ، وفي الدَّورةِ الثَّانيةِ يَكفِي لِفَوزِهِ نَيلُ الأكثريَّةِ المطلقةِ من أصواتِ النُّوَّابِ. وَوَقعَ اختلافٌ حَولَ اعتبارِ حُضُورِ الثُّلثَين من النُّوَّابِ إلزاميًّا في كلِّ عمليَّاتِ الاقتراعِ، أو الاكتفاءُ بِحضُورِ النِّصفِ زائد واحد منهم في الدَّوراتِ ما بعدَ الأولى. وُقدَّامَ الرَّأيِ القائلِ بأنَّهُ ما دَامَ النِّصفُ زائد من النُّوَّابِ واحد يَكفِي لِفَوزِ المرشَّحِ، فَلِماذَا يُفرَضُ حضورُ أكثر من هذا العددِ لِلاقتراعِ في الدَّوراتِ ما بعدَ الأولى؟ حِيَالَ كلِّ ذلك يَقُولُ غبطتُهُ: «نحنُ لا ننطلقُ من هذا الموضوعِ الدُّستوريِّ على أهمِّيَّتِهِ، بلْ نُؤكِّدُ أنَّ واجِبَ النَّائبِ هو تَأمينُ الانتخابِ وتَأمينُ وُصُولِ رئيسٍ لِلبلادِ. أمَّا التَّعطيلُ فَلا يُمكنُ أن يَكونَ عملاً وطنيًّا مقبولاً. إنَّهُ خُرُوجٌ عن المسؤوليَّةِ في خدمةِ البلادِ. والدُّستُورُ نفسُهُ لا يُمكِنُ أن يُبنَى على أساسِ إمكانيَّةِ تَعطيلِهِ لأنَّهُ موضوعُ تَسيِيرِ شؤونِ البلادِ وليس لِطعنِها في صَميمِ حياتِها. هكذا يُفَسَّرُ الدُّستورُ، وبِغيرِ ذلك تكونُ الخيانةُ العُظمَى. ثمَّ تَأتِي مرحلةُ اختيارِ الرَّئيسِ وهُو عملٌ يَخصُّ النُّوَّابَ وَحدَهُم، وهو يُلزِمُهُم ضَميريًّا لأنَّهم مَسؤُولُون عن الاقتراعِ لِمَن هُو الأمثَلُ بِنَظرِهِم لِيَقودَ البلادَ في هذه المرحلةِ بالذَّات. فَيُؤكِّدُ غبطتُهُ أنَّ لا مُرَشَّحَ خاص لِبكركي، فَهُم جَميعُهُم أبناءٌ أعزَّاءٌ، وأنَّ على النُّوَّابِ أن يَختَارُوا الأنسبَ لِلرِّئَاسةِ فَهُم مُنتَدَبُونَ لذلك من قِبَلِ الشَّعبِ وعليهم تَقَعُ المسؤوليَّةُ الكُبرَى. لكنَّ غبطتَهُ يُؤكِّدُ أيضًا أنَّ مَن يَقَعُ عليه الاختيارُ يجبُ أن يَكونَ مُجَسِّدًا لأمَانِي لبنانَ في المُكَوِّنِ الَّذي يَنتَمِي إليهِ أوَّلاً وفي المُكَوِّناتِ الوطنيَّةِ الأخرَى. فالرَّئيسُ هُو رئيسٌ لِكلِّ لبنانَ ولِكلِّ اللبنانيِّين، ولا بأسَ إذا وَصَلَ بِالتَّوافقِ أو بِالتَّنافسِ مع غيرِهِ ممَّن لَهُم نفسُ الصِّفاتِ. والحقُّ يُقالُ أنَّ التَّنافسَ يجبُ أن يَبقَى في صُلبِ الثَّقافةِ الدِّيمقراطيَّةِ لأنَّ القادَةَ يَحضرُونَ في مجتمعاتِهِم منذُ مقاعدَ الدِّراسةِ ومُرُورًا بالاختباراتِ الوطنيَّةِ المُتَسلسلةِ حتَّى يَصِلُوا إلى ما يُقدَّرُ لهُم أن يَصِلُوا إليه. أمَّا إذا أُزِيلَ التَّنافسُ من الثَّقافةِ العامَّةِ، فإنَّ البُلدانَ تتعرَّضُ بِهذه الإزالةِ لِفُقدانِ قادةٍ لها جَدِيرينَ وأكفَّاء، وبِالتَّالِي لِلاهتزازِ في مَسيرتِها العامَّةِ وأدائِها الصَّحيحِ. نحنُ اليومَ أيُّها الأحبَّاءُ نَتَشاركُ معًا في هذا الهَمِّ الوطنيِّ الكبيرِ وَيَحدُونا الأملُ في أن يُوَاجِهَ نُوَّابُنا الأعزَّاءُ هذا الاستحقاقَ وفيهِم من الإرادةِ الوطنيَّةِ الصَّلبَةِ ومن الإدراكِ لِعظمِ مسؤوليَّاتِهِم ما يُساعِدُهُم على إنقاذِ الحياةِ الدُّستوريَّةِ والحياةِ الوطنيَّةِ نَفسِها من الضَّياعِ وبِالتَّالِي على إنقاذِ لبنانَ. أمَّا نحنُ جميعًا، وبِخاصَّةٍ هُنا أعضاءُ الرَّابطةِ المارونيَّةِ الأعزَّاءُ، فإنَّ علينا أن نَتَحاوَرَ مع نوَّابِنا جميعًا لِكَونِهِم مُنتَدَبُونَ عنَّا من أجلِ لبنانَ، وأن نَصُوغَ لهُم الأمنياتِ ونُلقِي عليهِم التَّبِعَاتِ وُصُولاً إلى الغايةِ المَنشُودَةِ. وإنَّ لكُم من الحكمةِ أيُّها الأحبَّاءُ، ومن المعرفةِ بِدَقائقِ الأمورِ ما يَدفَعُكُم إلى العملِ على تَوحيدِ القلُوبِ وَرَصِّ الصُّفوفِ إلى ما فيه خيرُ لبنانَ، فَتَكُونُوا الخَميرةَ الصَّالِحةَ في عَجِينِ المجتمعِ وفي الحوارِ مع أهلِ السِّياسةِ لَعلَّ لبنانَ يُوفَّقُ بِرِئاستِهِ الجديدةِ، وَيَنطلِقُ إلى غَدِهِ بِإيمانٍ وَطيدٍ وَثَباتٍ أكيدٍ. فالشُّكرُ لِرَئيسِ الرَّابطةِ ولِلَجنتِها السِّياسيَّةِ على مَساعِيهِم نحوَ بُلُوغِ هذه الأهدافِ الوطنيَّةِ العُليَا، ولكُم منَّا أجملُ الأَدعِيَةِ بِالتَّوفيقِ وَشُكرًا لإصغائِكُم.