الخطر الوجودي في إشكالية الارض والهوية

annahar

23-7-2014
فريد جورج سعاده

 

لم يكن مؤتمر “الرابطة المارونية” في الخامس من تموز الجاري بعنوان “ارضي هويتي”، مجرد احتفال يماثل الاحتفالات التي اعتاد المشاركون فيها الاستماع الى “ترددات صوتية” يتلاشى صداها مع انصرام المؤتمر ودخوله ذاكرة التاريخ. فما كشفته محاور البحث في الجلسات التي تلت افتتاح المؤتمر كان خطيراً واضاء على حقائق صادقة ذات آثار تدميرية على مستقبل لبنان اذا لم يبادر القيمون على معالجة اسبابها وجذورها، وابتداع الحلول المركبة لتطويق انعكاساتها السلبية على الحضور المسيحي الفاعل في لبنان ومده بمقومات الثبات في جغرافيته، وادارات الدولة واجهزتها.
ان رئيس الرابطة المارونية النقيب سمير ابي اللمع، والامين العام للرابطة فارس ابي نصر، وممثل البطريرك الماروني المطران انطوان نبيل العنداري، والنائب نعمة الله ابي نصر، والمدير العام السابق للدوائر العقارية بشاره القرقفي، دقوا ناقوس الخطر، وبيّنوا ان فقدان الارض يوازي فقدان الهوية. ولفقدان الارض اسباب كثيرة تبدأ ببيعها من الاجانب ولا تنتهي بهجرها او اهمالها، او اعتبارها وديعة تستخدم كآخر “خرطوشة” في الايام العجاف، وماذا تعني هذه “الخرطوشة” سوى بيعها ولو من الشيطان؟ الا ان اخطر ما استمع اليه المشاركون في المؤتمر، هي الاحصاءات التي قدمها الباحث ربيع الهبر عن التبدل والتحول الديموغرافي الذي يطاول المسيحيين، في ظل تناقص الولادات في المناطق ذات الغالبية المارونية الساحقة. وكذلك ما عرضه الاب طوني خضرا عن الحضور المسيحي في الدولة، و هو حضور ما زال متواضعاً، بل منعدم الفاعلية. على الرغم من الجهد الذي تبذله “مؤسسة لابورا” لاعداد من يرغب من ابناء الطوائف المسيحية في التقدم الى وظائف الدولة. على ان الدكتور عصام خليفة الذي خاض في موضوع الاوقاف، معتبراً انها لا تستثمر على الوجه الصحيح، ولا تخضع لحظة نهوض متكاملة تساعد على ربط الانسان بأرضه، رأى ان ما يحكى عن خطر يصيب المكون المسيحي – وهو اساس في نشأة الكيان اللبناني – حقيقة لا تقبل النقص وليس عنواناً برسم التهويل والتخويف. هي المرة الاولى التي تطرح فيها قضية الارض من منظار شمولي يتناول توصيف المشكلة وتوفير قاعدة معلومات للبناء عليها، ويقترح حلولاً مبسطة ومركبة معاً تساعد على الحد من هذه المشكلة وتداعياتها الآنية والمستقبلية.
ان مؤتمر “ارضي هويتي” ينبغي الا يكون يتيماً، وفي المعلومات انه لن يكون، وستتبعه ندوات متخصصة تضع الأسس لخريطة طريق غايتها المحافظة على الارض، وربط الانسان بها من خلال منظومة من المشروعات والخيارات. وقد التزم المجلس التنفيذي للرابطة المارونية بتحقيق هذا الأمر، فاذا وفى بالتزامه، يكون قد وجه البوصلة نحو الطريق الصحيح، ولا اخاله الا عاملا على ذلك بصدق.
وما لفتني اثناء المؤتمر ان كل المداخلات والمناقشات تناولت المحاور المطروحة من منطق ميثاقي والحرص على هوية لبنان وصورته التعددية وتركيبته الفريدة باختلافها وائتلافها في آن، لأن جميع المشاركين فيها يؤمنون كالبابا القديس يوحنا بولس الثاني بأن هذا الوطن ليس مجرد بلد، انما هو رسالة.

المصدر: http://newspaper.annahar.com/article/153787-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%AF%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B1%D8%B6-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%8A%D8%A9